فصل: فصل: إن راجعها‏ وجب إمساكها حتى تطهر واستحب إمساكها حتى تحيض حيضة أخرى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


كتاب الطلاق‏:‏

الطلاق‏:‏ حل قيد النكاح وهو مشروع والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن‏}‏ وأما السنة فما روى ‏(‏ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض‏,‏ فسأل عمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر‏,‏ ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد‏,‏ وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء‏)‏ متفق عليه في أي وأخبار سوى هذين كثير وأجمع الناس على جواز الطلاق والعبرة دالة على جوازه فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين‏,‏ فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة وضررا مجردا بإلزام الزوج النفقة والسكنى وحبس المرأة‏,‏ مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح‏,‏ لتزول المفسدة الحاصلة منه‏.‏

فصل‏:‏

والطلاق على خمسة أضرب واجب وهو طلاق المولى بعد التربص إذا أبى الفيئة وطلاق الحكمين في الشقاق‏,‏ إذا رأيا ذلك ومكروه وهو الطلاق من غير حاجة إليه وقال القاضي‏:‏ فيه روايتان إحداهما‏:‏ أنه محرم لأنه ضرر بنفسه وزوجته وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه‏,‏ فكان حراما كإتلاف المال ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا ضرر ولا ضرار‏)‏ والثانية‏,‏ أنه مباح لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أبغض الحلال إلى الله الطلاق‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏ما أحل الله شيئًا أبغض إليه من الطلاق‏)‏ رواه أبو داود وإنما يكون مبغضا من غير حاجة إليه وقد سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- حلالا ولأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها‏,‏ فيكون مكروها والثالث مباح وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة‏,‏ وسوء عشرتها والتضرر بها من غير حصول الغرض بها والرابع مندوب إليه‏,‏ وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها مثل الصلاة ونحوها ولا يمكنه إجبارها عليها‏,‏ أو تكون له امرأة غير عفيفة قال أحمد‏:‏ لا ينبغي له إمساكها وذلك لأن فيه نقصا لدينه ولا يأمن إفسادها لفراشه وإلحاقها به ولدا ليس هو منه‏,‏ ولا بأس بعضلها في هذه الحال والتضييق عليها لتفتدي منه قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة‏}‏ ويحتمل أن الطلاق في هذين الموضعين واجب ومن المندوب إليه الطلاق في حال الشقاق‏,‏ وفي الحال التي تحوج المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضرر وأما المحظور فالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه‏,‏ أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه ويسمى طلاق البدعة لأن المطلق خالف السنة وترك أمر الله تعالى ورسوله‏,‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فطلقوهن لعدتهن‏}‏ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء‏)‏ وفي لفظ رواه الدارقطني بإسناده عن ‏(‏ابن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض‏,‏ ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين آخرتين عند القرأين فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله إنك أخطأت السنة‏,‏ والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء‏)‏ ولأنه إذا طلق في الحيض طول العدة عليها فإن الحيضة التي طلق فيها لا تحسب من عدتها ولا الطهر الذي بعدها عند من يجعل الأقراء الحيض‏,‏ وإذا طلق في طهر أصابها فيه لم يأمن أن تكون حاملا فيندم‏,‏ وتكون مرتابة لا تدري أتعتد بالحمل أو الأقراء‏؟‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وطلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها‏]‏ معنى طلاق السنة الطلاق الذي وافق أمر الله تعالى وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- في الآية والخبرين المذكورين وهو الطلاق في طهر لم يصبها فيه‏,‏ ثم يتركها حتى تنقضي عدتها ولا خلاف في أنه إذا طلقها في طهر لم يصبها فيه ثم تركها حتى تنقضي عدتها أنه مصيب للسنة‏,‏ مطلق للعدة التي أمر الله بها قاله ابن عبد البر وابن المنذر وقال ابن مسعود‏:‏ طلاق السنة أن يطلقها من غير جماع وقال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فطلقوهن لعدتهن‏}‏ وقال‏:‏ طاهرا من غير جماع ونحوه عن ابن عباس وفي حديث ابن عمر الذي رويناه‏:‏ ‏(‏ليتركها حتى تطهر ثم تحيض‏,‏ ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس‏,‏ فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء‏)‏ فأما قوله‏:‏ ثم يدعها حتى تنقضي عدتها فمعناه أنه لا يتبعها طلاقا آخر قبل قضاء عدتها ولو طلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار كان حكم ذلك حكم جمع الثلاث في طهر واحد قال أحمد‏:‏ طلاق السنة واحدة‏,‏ ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض وكذلك قال مالك والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد وقال أبو حنيفة والثوري‏:‏ السنة أن يطلقها ثلاثا‏,‏ في كل قرء طلقة وهو قول سائر الكوفيين واحتجوا بحديث ابن عمر حين قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏راجعها‏,‏ ثم أمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر‏)‏ قالوا‏:‏ وإنما أمره بإمساكها في هذا الطهر لأنه لم يفصل بينه وبين الطلاق طهر كامل‏,‏ فإذا مضى ومضت الحيضة التي بعده أمره بطلاقها وقوله في حديثه الآخر‏:‏ ‏"‏ والسنة أن يستقبل الطهر‏,‏ فيطلق لكل قرء ‏"‏ وروى النسائي بإسناده عن عبد الله قال‏:‏ طلاق السنة أن يطلقها تطليقة وهي طاهر‏,‏ في غير جماع فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى‏,‏ فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ثم تعتد بعد ذلك بحيضة ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال‏:‏ لا يطلق أحد للسنة فيندم رواه الأثرم وهذا إنما يحصل في حق من لم يطلق ثلاثا وقال ابن سيرين‏:‏ أن عليا كرم الله وجهه قال‏:‏ لو أن الناس أخذوا بما أمر الله من الطلاق‏,‏ ما يتبع رجل نفسه امرأة أبدا يطلقها تطليقة ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثة‏,‏ فمتى شاء راجعها رواه النجاد بإسناده وروى ابن عبد البر بإسناده عن ابن مسعود أنه قال‏:‏ طلاق السنة أن يطلقها وهي طاهر ثم يدعها حتى تنقضي عدتها‏,‏ أو يراجعها إن شاء فأما حديث ابن عمر الأول فلا حجة فيه لأنه ليس فيه جمع الثلاث وأما حديثه الآخر‏,‏ فيحتمل أن يكون ذلك بعد ارتجاعها ومتى ارتجع بعد الطلقة ثم طلقها كان للسنة على كل حال‏,‏ حتى قد قال أبو حنيفة‏:‏ لو أمسكها بيده لشهوة ثم والى بين الثلاث كان مصيبا للسنة لأنه يكون مرتجعا لها والمعنى فيه أنه إذا ارتجعها‏,‏ سقط حكم الطلقة الأولى فصارت كأنها لم توجد ولا غنى به عن الطلقة الأخرى إذا احتاج إلى فراق امرأته‏,‏ بخلاف ما إذا لم يرتجعها فإنه مستغن عنها لإفضائها إلى مقصوده من إبانتها فافترقا‏,‏ ولأن ما ذكروه إرداف طلاق من غير ارتجاع فلم يكن للسنة كجمع الثلاث في طهر واحد‏,‏ وتحريم المرأة لا يزول إلا بزوج وإصابة من غير حاجة فلم يكن للسنة كجمع الثلاث‏.‏

فصل‏:‏

فإن طلق للبدعة‏,‏ وهو أن يطلقها حائضا أو في طهر أصابها فيه أثم‏,‏ ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم قال ابن المنذر وابن عبد البر‏:‏ لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال وحكاه أبو نصر عن ابن علية وهشام بن الحكم‏,‏ والشيعة قالوا‏:‏ لا يقع طلاقه لأن الله تعالى أمر به في قبل العدة فإذا طلق في غيره لم يقع كالوكيل إذا أوقعه في زمن أمره موكله بإيقاعه في غيره ولنا حديث ابن عمر‏,‏ أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يراجعها وفي رواية الدارقطني قال‏:‏ ‏(‏فقلت‏:‏ يا رسول الله أفرأيت لو إني طلقتها ثلاثا‏,‏ أكان يحل لي أن أراجعها‏؟‏ قال‏:‏ لا كانت تبين منك وتكون معصية‏)‏ وقال نافع‏:‏ وكان عبد الله طلقها تطليقة‏,‏ فحسبت من طلاقه وراجعها كما أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن رواية يونس بن جبير عن ابن عمر‏,‏ قال‏:‏ قلت لابن عمر‏:‏ أفتعتد عليه أو تحتسب عليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم أرأيت إن عجز واستحمق وكلها أحاديث صحاح لأنه طلاق من مكلف في محل الطلاق‏,‏ فوقع كطلاق الحامل ولأنه ليس بقربه‏,‏ فيعتبر لوقوعه موافقة السنة بل هو إزالة عصمة وقطع ملك‏,‏ فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظا عليه وعقوبة له‏,‏ أما غير الزوج فلا يملك الطلاق والزوج يملكه بملكه محله‏.‏

فصل‏:‏

ويستحب أن يراجعها‏,‏ لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بمراجعتها وأقل أحوال الأمر الاستحباب ولأنه بالرجعة يزيل المعنى الذي حرم الطلاق ولا يجب ذلك في ظاهر المذهب وهو قول الثوري‏,‏ والأوزاعي والشافعي وابن أبي ليلى‏,‏ وأصحاب الرأي وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى‏,‏ أن الرجعة تجب واختارها وهو قول مالك وداود لظاهر الأمر في الوجوب ولأن الرجعة تجرى مجري استبقاء النكاح‏,‏ واستبقاؤه ها هنا واجب بدليل تحريم الطلاق ولأن الرجعة إمساك للزوجة بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأمسكوهن بمعروف‏}‏ فوجب ذلك كإمساكها قبل الطلاق وقال مالك‏,‏ وداود‏:‏ يجبر على رجعتها قال أصحاب مالك‏:‏ يجبر على رجعتها ما دامت في العدة إلا أشهب قال‏:‏ ما لم تطهر ثم تحيض‏,‏ ثم تطهر لأنه لا يجب عليه إمساكها في تلك الحال فلا يجب عليه رجعتها فيه ولنا أنه طلاق لا يرتفع بالرجعة‏,‏ فلم تجب عليه الرجعة فيه كالطلاق في طهر مسها فيه فإنهم أجمعوا على أن الرجعة لا تجب حكاه ابن عبد البر عن جميع العلماء وما ذكروه من المعنى ينتقض بهذه الصورة وأما الأمر بالرجعة فمحمول على الاستحباب لما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏

فإن راجعها‏,‏ وجب إمساكها حتى تطهر واستحب إمساكها حتى تحيض حيضة أخرى ثم تطهر على ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عمر الذي رويناه قال ابن عبد البر‏:‏ ذلك من وجوه عند أهل العلم منها‏,‏ أن الرجعة لا تكاد تعلم صحتها إلا بالوطء لأنه المبغي من النكاح ولا يحصل الوطء إلا في الطهر فإذا وطئها حرم طلاقها فيه حتى تحيض ثم تطهر‏,‏ واعتبرنا مظنة الوطء ومحله لا حقيقته ومنها أن الطلاق كره في الحيض لتطويل العدة فلو طلقها عقيب الرجعة من غير وطء‏,‏ كانت في معنى المطلقة قبل الدخول وكانت تبنى على عدتها فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قطع حكم الطلاق بالوطء‏,‏ واعتبر الطهر الذي هو موضع الوطء فإذا وطئ حرم طلاقها حتى تحيض ثم تطهر وقد جاء في حديث عن ابن عمر‏,‏ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏مره أن يراجعها فإذا طهرت مسها حتى إذا طهرت أخرى‏,‏ فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها‏)‏ رواه ابن عبد البر ومنها أنه عوقب على إيقاعه في الوقت المحرم بمنعه منه في الوقت الذي يباح له وذكر غير هذا فإن طلقها في الطهر الذي يلي الحيضة قبل أن يمسها‏,‏ فهو طلاق سنة وقال أصحاب مالك‏:‏ لا يطلقها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر‏,‏ على ما جاء في الحديث ولنا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فطلقوهن لعدتهن‏}‏ وهذا مطلق للعدة فيدخل في الأمر وقد روى يونس بن جبير‏,‏ وسعيد بن جبير وابن سيرين وزيد بن أسلم‏,‏ وأبو الزبير عن ابن عمر ‏(‏أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق‏,‏ وإن شاء أمسك ولم يذكروا تلك الزيادة‏)‏ وهو حديث صحيح متفق عليه ولأنه طهر لم يمسها فيه فأشبه الثاني وحديثهم محمول على الاستحباب‏.‏

فصل‏:‏

وإن طلق ثلاثا بكلمة واحدة‏,‏ وقع الثلاث وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ولا فرق بين قبل الدخول وبعده روي ذلك عن ابن عباس‏,‏ وأبي هريرة وابن عمر وعبد الله بن عمرو‏,‏ وابن مسعود وأنس وهو قول أكثر أهل العلم من التابعين والأئمة بعدهم وكان عطاء وطاوس‏,‏ وسعيد بن جبير وأبو الشعثاء وعمرو بن دينار‏,‏ يقولون‏:‏ من طلق البكر ثلاثة فهي واحدة وروى طاوس عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏كان الطلاق على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة‏)‏ رواه أبو داود وروى سعيد بن جبير‏,‏ وعمرو بن دينار ومجاهد ومالك بن الحارث‏,‏ عن ابن عباس خلاف رواية طاوس أخرجه أيضا أبو داود وأفتى ابن عباس بخلاف ما رواه عنه طاوس وقد ذكرنا حديث ابن عمر‏:‏ أرأيت لو طلقتها ثلاثا وروى الدارقطني‏,‏ بإسناده عن عبادة بن الصامت قال‏:‏ ‏(‏طلق بعض آبائي امرأته ألفا فانطلق بنوه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا‏:‏ يا رسول الله‏,‏ إن أبانا طلق أمنا ألفا فهل له مخرج‏؟‏ فقال‏:‏ إن أباكم لم يتق الله فيجعل له من أمره مخرجا بانت منه بثلاث على غير السنة‏,‏ وتسعمائة وسبعة وتسعون إثما في عنقه‏)‏ ولأن النكاح ملك يصح إزالته متفرقا فصح مجتمعا كسائر الأملاك فأما حديث ابن عباس‏,‏ فقد صحت الرواية عنه بخلافه وأفتى أيضا بخلافه قال الأثرم‏:‏ سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس‏,‏ بأي شيء تدفعه‏؟‏ فقال‏:‏ أدفعه برواية الناس عن ابن عباس من وجوه خلافه ثم ذكر عن عدة عن ابن عباس من وجوه أنها ثلاث وقيل‏:‏ معنى حديث ابن عباس‏,‏ أن الناس كانوا يطلقون واحدة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وإلا فلا يجوز أن يخالف عمر ما كان في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر ولا يسوغ لابن عباس أن يروي هذا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويفتي بخلافه‏.‏

فصل‏:‏

وإن طلق اثنتين في طهر‏,‏ ثم تركها حتى انقضت عدتها فهو للسنة لأنه لم يحرمها على نفسه ولم يسد على نفسه المخرج من الندم‏,‏ ولكنه ترك الاختيار لأنه فوت على نفسه طلقة جعلها الله له من غير فائدة تحصل بها فكان مكروها كتضييع المال‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا قال لها‏:‏ أنت طالق للسنة وكانت حاملا أو طاهرا لم يجامعها فيه‏,‏ فقد وقع الطلاق وإن كانت حائضا لزمها الطلاق إذا طهرت‏,‏ وإن كانت طاهرة مجامعة فيه فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة لزمها الطلاق‏]‏

وجملة ذلك أنه إذا قال لامرأته‏:‏ أنت طالق للسنة فمعناه في وقت السنة‏,‏ فإن كانت طاهرا غير مجامعة فيه فهو وقت السنة على ما أسلفناه وكذلك إن كانت حاملا قال ابن عبد البر‏:‏ لا خلاف بين العلماء أن الحمل طلاقها للسنة وقال أحمد‏:‏ أذهب إلى حديث سالم عن أبيه‏:‏ ‏(‏ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا‏)‏ أخرجه مسلم وغيره فأمره بالطلاق في الطهر أو في الحمل‏,‏ فطلاق السنة ما وافق الأمر ولأن مطلق الحامل التي استبان حملها قد دخل على بصيرة فلا يخاف ظهور أمر يتجدد به الندم‏,‏ وليست مرتابة لعدم اشتباه الأمر عليها فإذا قال لها‏:‏ أنت طالق للسنة في هاتين الحالتين طلقت لأنه وصف الطلقة بصفتها‏,‏ فوقعت في الحال وإن قال ذلك لحائض لم تقع في الحال لأن طلاقها طلاق بدعة لكن إذا طهرت طلقت لأن الصفة وجدت حينئذ فصار كأنه قال‏:‏ أنت طالق في النهار فإن كانت في النهار طلقت‏,‏ وإن كانت في الليل طلقت إذا جاء النهار وإن كانت في طهر جامعها فيه لم يقع حتى تحيض ثم تطهر لأن الطهر الذي جامعها فيه والحيض بعده زمان بدعة فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة‏,‏ طلقت حينئذ لأن الصفة وجدت وهذا كله مذهب الشافعي وأبي حنيفة‏,‏ ولا أعلم فيه مخالفا فإن أولج في آخر الحيضة واتصل بأول الطهر أو أولج مع أول الطهر‏,‏ لم يقع الطلاق في ذلك الطهر لكن متى جاء طهر لم يجامعها فيه طلقت في أوله وهذا كله مذهب الشافعي‏,‏ ولا أعلم فيه مخالفا‏.‏

فصل‏:‏

إذا انقطع الدم من الحيض فقد دخل زمان السنة ويقع عليها طلاق السنة وإن لم تغتسل كذلك قال أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ إن طهرت لأكثر الحيض مثل ذلك وإن انقطع الدم لدون أكثره‏,‏ لم يقع حتى تغتسل أو تتيمم عند عدم الماء وتصلي أو يخرج عنها وقت صلاة لأنه متى لم يوجد‏,‏ فما حكمنا بانقطاع حيضها ولنا أنها طاهر فوقع بها طلاق السنة كالتي طهرت لأكثر الحيض والدليل على أنها طاهر‏,‏ أنها تؤمر بالغسل ويلزمها ذلك ويصح منها‏,‏ وتؤمر بالصلاة وتصح صلاتها ولأن في حديث ابن عمر‏:‏ ‏(‏فإذا طهرت‏,‏ طلقها إن شاء‏)‏ وما قاله غير صحيح فإننا لو لم نحكم بالطهر لما أمرناها بالغسل‏,‏ ولا صح منها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولو قال لها‏:‏ أنت طالق للبدعة وهي في طهر لم يصبها فيه لم تطلق حتى يصيبها أو تحيض‏]‏

هذه المسألة عكس تلك فإنه وصف الطلقة بأنها للبدعة إن قال ذلك لحائض أو طاهر مجامعة فيه‏,‏ وقع الطلاق في الحال لأنه وصف الطلقة بصفتها وإن كانت في طهر لم يصبها فيه لم يقع في الحال فإذا حاضت طلقت بأول جزء من الحيض‏,‏ وإن أصابها طلقت بالتقاء الختانين فإن نزع من غير توقف فلا شيء عليها‏,‏ وإن أولج بعد النزع فقد وطئ مطلقته ويأتي بيان حكم ذلك وإن أصابها‏,‏ واستدام ذلك فسنذكرها أيضا -إن شاء الله تعالى- فيما بعد‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال لطاهر‏:‏ أنت طالق للبدعة في الحال فقد قيل‏:‏ إن الصفة تلغو ويقع الطلاق لأنه وصفها بما لا تتصف به‏,‏ فلغت الصفة دون الطلاق ويحتمل أن تطلق في الحال ثلاثا لأن ذلك طلاق بدعة فانصرف الوصف بالبدعة إليه لتعذر صفة البدعة من الجهة الأخرى وإن قال لحائض‏:‏ أنت طالق للسنة في الحال‏,‏ لغت الصفة ووقع الطلاق لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به وإن قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا للسنة وثلاثا للبدعة طلقت ثلاثا في الحال‏,‏ بناء على ما سنذكره‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا للسنة فالمنصوص عن أحمد أنها تطلق ثلاثا إن كانت طاهرا طهرا غير مجامعة فيه وإن كانت حائضا‏,‏ طلقت ثلاثا إذا طهرت وهذا مذهب الشافعي وقال القاضي وأبو الخطاب‏:‏ هذا على الرواية التي قال فيها‏:‏ إن جمع الثلاث يكون سنة فأما على الرواية الأخرى‏,‏ فإذا طهرت طلقت واحدة وتطلق الثانية والثالثة في نكاحين آخرين أو بعد رجعتين وقد أنكر أحمد هذا‏,‏ فقال في رواية مهنا‏:‏ إذا قال لامرأته‏:‏ أنت طالق ثلاثا للسنة قد اختلفوا فيه فمنهم من يقول‏:‏ يقع عليها الساعة واحدة فلو راجعها تقع عليها تطليقة أخرى‏,‏ وتكون عنده على أخرى وما يعجبني قولهم هذا فيحتمل أن أحمد أوقع الثلاث لأن ذلك عنده سنة ويحتمل أنه أوقعها لوصفه الثلاث بما لا تتصف به فألغى الصفة وأوقع الطلاق‏,‏ كما لو قال لحائض‏:‏ أنت طالق في الحال للسنة وقد قال في رواية أبي الحارث ما يدل على هذا‏,‏ قال‏:‏ يقع عليها الثلاث ولا معنى لقوله‏:‏ للسنة وقال أبو حنيفة‏:‏ يقع في كل قرء طلقة وإن كانت من ذوات الأشهر وقع في كل شهر طلقة وبناه على أصله في أن السنة تفريق الثلاث على الأطهار‏,‏ وقد بينا أن ذلك في حكم جمع الثلاث إن قال‏:‏ أردت بقولي‏:‏ للسنة إيقاع واحدة في الحال واثنتين في نكاحين آخرين قبل منه وإن قال‏:‏ أردت أن يقع في كل قرء طلقة قبل أيضا لأنه مذهب طائفة من أهل العلم‏,‏ وقد ورد به الأثر فلا يبعد أن يريده وقال أصحابنا‏:‏ يدين وهل يقبل في الحكم‏؟‏ على وجهين‏:‏ أحدهما لا يقبل لأن ذلك ليس بسنة والثاني يقبل لما قدمنا فإن كانت في زمن البدعة‏,‏ فقال‏:‏ سبق لساني إلى قول‏:‏ للسنة ولم أرده وإنما أردت الإيقاع في الحال وقع في الحال لأنه مالك لإيقاعها‏,‏ فإذا اعترف بما يوقعها قبل منه‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة طلقت في الحال طلقتين وتأخرت الثالثة إلى الحال الأخرى لأنه سوى بين الحالين‏,‏ فاقتضى الظاهر أن يكونا سواء فيقع في الحال طلقة ونصف ثم يكمل النصف لكون الطلاق لا يتبعض فيقع طلقتان ويحتمل أن تقع طلقة وتتأخر اثنتان إلى الحال الأخرى لأن البعض يقع على ما دون الكل‏,‏ ويتناول القليل من ذلك والكثير فيقع أقل ما يقع عليه الاسم لأنه اليقين وما زاد لا يقع بالشك‏,‏ فيتأخر إلى الحال الأخرى فإن قيل‏:‏ فلم لا يقع من كل طلقة بعضها ثم تكمل فيقع الثلاث‏؟‏ قلنا‏:‏ متى أمكنت القسمة من غير تكسير‏,‏ وجب القسمة على الصحة وإن قال‏:‏ نصفهن للسنة ونصفهن للبدعة وقع في الحال طلقتان وتأخرت الثالثة وإن قال‏:‏ طلقتان للسنة‏,‏ وواحدة للبدعة أو طلقتان للبدعة وواحدة للسنة فهو على ما قال وإن أطلق‏,‏ ثم قال‏:‏ نويت ذلك فإن فسر نيته بما يوقع في الحال طلقتين قبل لأنه مقتضى الإطلاق ولأنه غير متهم فيه وإن فسرها بما يوقع طلقة واحدة‏,‏ ويؤخر اثنتين دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم‏؟‏ فيه وجهان أظهرهما أنه يقبل لأن البعض حقيقة في القليل والكثير‏,‏ فما فسر كلامه به لا يخالف الحقيقة فيجب أن يقبل والثاني لا يقبل لأنه فسر كلامه بأخف مما يلزمه حالة الإطلاق ومذهب الشافعي على نحو هذا فإن قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا‏,‏ بعضها للسنة ولم يذكر شيئا آخر احتمل أن تكون كالتي قبلها لأنه يلزم من ذلك أن يكون بعضها للبدعة فأشبه ما لو صرح به ويحتمل أنه لا يقع في الحال إلا واحدة لأنه لم يسو بين الحالين‏,‏ والبعض لا يقتضي النصف فتقع الواحدة لأنها اليقين والزائد لا يقع بالشك وكذلك لو قال بعضها للسنة وباقيها للبدعة‏,‏ أو سائرها للبدعة‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال‏:‏ أنت طالق إذا قدم زيد فقدم وهي حائض طلقت للبدعة ولم يأثم لأنه لم يقصده وإن قال‏:‏ أنت طالق إذا قدم زيد للسنة فقدم في زمان السنة‏,‏ طلقت وإن قدم في زمان البدعة لم يقع حتى إذا صارت إلى زمان السنة وقع‏,‏ ويصير كأنه قال حين قدم زيد‏:‏ أنت طالق للسنة لأنه أوقع الطلاق بقدوم زيد على صفة فلا يقع إلا عليها وإن قال لها‏:‏ أنت طالق للسنة إذا قدم زيد قبل أن يدخل بها طلقت عند قدومه‏,‏ حائضا كانت أو طاهرا لأنها لا سنة لطلاقها ولا بدعة وإن قدم بعد دخوله بها وهي في طهر لم يصبها فيه طلقت وإن قدم في زمن البدعة‏,‏ لم تطلق حتى يجيء زمن السنة لأنها صارت ممن لطلاقها سنة وبدعة وإن قال لامرأته‏:‏ أنت طالق إذا جاء رأس الشهر للسنة فكان رأس الشهر في زمان السنة وقع وإلا وقع إذا جاء زمان السنة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولو قال لها‏,‏ وهي حائض ولم يدخل بها‏:‏ أنت طالق للسنة طلقت من وقتها لأنه لا سنة فيه ولا بدعةي

قال ابن عبد البر‏:‏ أجمع العلماء أن طلاق السنة إنما هو للمدخول بها أما غير المدخول بها‏,‏ فليس لطلاقها سنة ولا بدعة إلا في عدد الطلاق على اختلاف بينهم فيه وذلك لأن الطلاق في حق المدخول بها إذا كانت من ذوات الأقراء إنما كان له سنة وبدعة لأن العدة تطول عليها بالطلاق في الحيض‏,‏ وترتاب بالطلاق في الطهر الذي جامعها فيه وينتفي عنها الأمران بالطلاق في الطهر الذي لم يجامعها فيه أما غير المدخول بها‏,‏ فلا عدة عليها تنفي تطويلها أو الارتياب فيها وكذلك ذوات الأشهر كالصغيرة التي لم تحض والآيسات من المحيض لا سنة لطلاقهن ولا بدعة لأن العدة لا تطول بطلاقها في حال‏,‏ ولا تحمل فترتاب وكذلك الحامل التي استبان حملها فهؤلاء كلهن ليس لطلاقهن سنة ولا بدعة من جهة الوقت في قول أصحابنا وهو مذهب الشافعي‏,‏ وكثير من أهل العلم فإذا قال لإحدى هؤلاء‏:‏ أنت طالق للسنة أو للبدعة وقعت الطلقة في الحال ولغت الصفة لأن طلاقها لا يتصف بذلك فصار كأنه قال‏:‏ أنت طالق ولم يزد وكذلك إن قال‏:‏ أنت طالق للسنة والبدعة أو قال‏:‏ أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة طلقت في الحال لأنه وصف الطلقة بصفتها ويحتمل كلام الخرقي أن يكون للحامل طلاق سنة لأنه طلاق أمر به بقوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا ‏"‏ وهو أيضا ظاهر كلام أحمد‏,‏ فإنه قال‏:‏ أذهب إلى حديث سالم عن أبيه يعني هذا الحديث ولأنها في حال انتقلت إليها بعد زمن البدعة ويمكن أن تنتقل عنها إلى زمان البدعة فكان طلاقها طلاق سنة‏,‏ كالطاهر من الحيض من غير مجامعة ويتفرع من هذا أنه لو قال لها‏:‏ أنت طالق للبدعة لم تطلق في الحال فإذا وضعت الحمل طلقت لأن النفاس زمان بدعة‏,‏ كالحيض‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال لصغيرة أو غير مدخول بها‏:‏ أنت طالق للبدعة ثم قال‏:‏ أردت إذا حاضت الصغيرة أو أصيبت غير المدخول بها أو قال لهما‏:‏ أنتما طالقتان للسنة وقال‏:‏ أردت طلاقهما في زمن يصير طلاقهما فيه للسنة دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم‏؟‏ فيه وجهان ذكرهما القاضي أحدهما‏,‏ لا يقبل وهو مذهب الشافعي لأنه خلاف الظاهر فأشبه ما لو قال‏:‏ أنت طالق ثم قال‏:‏ أردت إذا دخلت الدار والثاني‏:‏ يقبل وهو الأشبه بمذهب أحمد لأنه فسر كلامه بما يحتمله فقبل‏:‏ كما لو قال‏:‏ أنت طالق‏,‏ أنت طالق وقال‏:‏ أردت بالثانية إفهامها‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قال لها في طهر جامعها فيه‏:‏ أنت طالق للسنة فيئست من المحيض لم تطلق لأنه وصف طلاقها بأنه للسنة في زمن يصلح له فإذا صارت آيسة‏,‏ فليس لطلاقها سنة فلم توجد الصفة فلا يقع وكذلك إن استبان حملها‏,‏ لم يقع أيضا إلا على قول من جعل طلاق الحامل طلاق سنة فإنه ينبغي أن يقع لوجود الصفة‏,‏ كما لو حاضت ثم طهرت‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق للسنة إن كان الطلاق يقع عليك للسنة وهي في زمن السنة طلقت بوجود الصفة وإن لم تكن في زمن السنة‏,‏ انحلت الصفة ولم يقع بحال لأن الشرط ما وجد وكذلك إن قال‏:‏ أنت طالق للبدعة إن كان الطلاق يقع عليك للبدعة إن كانت في زمن البدعة‏,‏ وقع وإلا لم يقع بحال فإن كانت ممن لا سنة لطلاقها ولا بدعة فذكر القاضي فيها احتمالين أحدهما‏,‏ لا يقع في المسألتين لأن الصفة ما وجدت فأشبه ما لو قال‏:‏ أنت طالق إن كنت هاشمية ولم تكن هاشمية والثاني‏,‏ تطلق لأنه شرط لوقوع الطلقة شرطا مستحيلا فلغي ووقع الطلاق‏,‏ كما لو قال‏:‏ أنت طالق للسنة والأول أشبه وللشافعية وجهان كهذين‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق أحسن الطلاق أو أجمله أو أعدله‏,‏ أو أكمله أو أتمه أو أفضله‏,‏ أو قال‏:‏ طلقة حسنة أو جميلة أو عدلة أو سنية كان ذلك كله عبارة عن طلاق السنة وبه قال الشافعي وقال محمد بن الحسن‏:‏ إذا قال‏:‏ أعدل الطلاق أو أحسنه‏,‏ ونحوه كقولنا وإن قال‏:‏ طلقة سنية أو عدلة وقع الطلاق في الحال لأن الطلاق لا يتصف بالوقت والسنة والبدعة وقت‏,‏ فإذا وصفها بما لا تتصف به سقطت الصفة كما لو قال لغير المدخول بها‏:‏ أنت طالق طلقة رجعية أو قال لها‏:‏ أنت طالق للسنة أوالبدعة ولنا‏,‏ أن ذلك عبارة عن طلاق السنة ويصح وصف الطلاق بالسنة والحسن لكونه في ذلك الوقت موافقا للسنة مطابقا للشرع‏,‏ فهو كقوله‏:‏ أحسن الطلاق وفارق قوله‏:‏ طلقة رجعية لأن الرجعة لا تكون إلا في عدة ولا عدة لها فلا يحصل ذلك بقوله فإن قال‏:‏ نويت بقولي‏:‏ أعدل الطلاق وقوعه في حال الحيض لأنه أشبه بأخلاقها القبيحة‏,‏ ولم أرد الوقت وكانت في الحيض وقع الطلاق لأنه إقرار على نفسه بما فيه تغليظ وإن كانت في حال السنة دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم‏؟‏ على وجهين‏,‏ كما تقدم‏.‏

فصل‏:‏

فإن عكس فقال‏:‏ أنت طالق أقبح الطلاق وأسمجه‏,‏ أو أفحشه أو أنتنه أو أردأه حمل على طلاق البدعة‏,‏ فإن كانت في وقت البدعة وإلا وقف على مجيء زمان البدعة وحكي عنأبي بكر أنه يقع ثلاثا إن قلنا‏:‏ إن جمع الثلاث بدعة وينبغي أن تقع الثلاث في وقت البدعة ليكون جامعا لبدعتي الطلاق‏,‏ فيكون أقبح الطلاق وإن نوى بذلك غير طلاق البدعة نحو أن يقول‏:‏ إنما أردت أن طلاقك أقبح الطلاق لأنك لا تستحقينه لحسن عشرتك وجميل طريقتك وقع في الحال وإن قال‏:‏ أردت بذلك طلاق السنة‏,‏ ليتأخر الطلاق عن نفسه إلى زمن السنة لم يقبل لأن لفظه لا يحتمله وإن قال‏:‏ أنت طالق طلقة حسنة قبيحة فاحشة جميلة تامة ناقصة وقع في الحال لأنه وصفها بصفتين متضادتين‏,‏ فلغيا وبقي مجرد الطلاق فإن قال‏:‏ أردت أنها حسنة لكونها في زمان السنة وقبيحة لإضرارها بك أو قال أردت أنها حسنة لتخليصي من شرك وسوء خلقك‏,‏ وقبيحة لكونها في زمان البدعة وكان ذلك يؤخر وقوع الطلاق عنه دين وهل يقبل في الحكم‏؟‏ يخرج على وجهين‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال أنت طالق طلاق الحرج فقال القاضي‏:‏ معناه طلاق البدعة لأن الحرج الضيق والإثم‏,‏ فكأنه قال‏:‏ طلاق الإثم وطلاق البدعة طلاق إثم وحكى ابن المنذر عن علي رضي الله عنه أنه يقع ثلاثا لأن الحرج الضيق‏,‏ والذي يضيق عليه ويمنعه الرجوع إليها ويمنعها الرجوع إليه‏,‏ هو الثلاث وهو مع ذلك طلاق بدعة وفيه إثم‏,‏ فيجتمع عليه الأمران‏:‏ الضيق والإثم وإن قال‏:‏ طلاق الحرج والسنة كان كقوله‏:‏ طلاق البدعة والسنة‏.‏